شعلة التعليم في البحرين لن تنطفئ
كتبت سبيكة الشحي /
في سياق الأحداث التي تمر بها البلاد ، قام عدد من المعلمين و المعلمات العاملين في مدارس البحرين بالتقاعس مضربين عن تقديم رسالتهم التعليمية السامية متخلين بذلك عن جميع القيم و المبادئ التي يعمد الوطن لزرعها في الناشئة ، تساؤلاتٌ لاعدّ لها يطرحها الأهالي منها : كيف إستطاع الذين تسمّوا بالمعلمين التخفي تحت عباءة الإيمان بالرسالة التربوية التي كانوا يحاولون تقديمها طوال ما مضى من سنين في الوقت الذي كنا جميعاً نتسائل عن سبب تدني مستوى كفاءة البعض ونبحث عن حلول تطويرية و تدريبية و ما إلى ذلك ، فنلمح بعض ملامح التطوير و لكنها غير ملموسة فعلياً ، ولو رجعنا لرأينا أن السبب الرئيس في هذه العرقلة بأنه لا مجال لتطوير الإنسان حينما لا يمتلك شعوراً داخلياً بالإيمان بما يقدمه و بقدرته على تطوير نفسه ، و بالرغم من مساعي الوزارة الحثيثة لتطبيق الإستراتيجات التي من شأنها رفع مستوى التعليم في المملكة ، إلا أننا نجد تذمر هؤلاء يقف عائقاً أمام تطبيق هذه الإستراتيجيات و بالتالي تخفيض سرعة عجلة التطوّر و الإصلاح في العملية التعليمية .
و في هذا المقام لا ألوم الوزارة بل إنني ألوم الضمائر التي إعتادت الكذب و النفاق في سبيل الحصول على الترقيات و الحوافز و المكافاءات ، فالوزارة لوحدها لا تستطيع مراقبة ما يحدث عن كثب في ظل التعتيم على الحقائق و كتم الأفواه و هنا يبرز دور التواصل بين الوزارة و أولياء أمور الطلبة حيث يتبع هؤلاء المعلمين مجموعة من الأساليب لتظليل إدارات مدارسهم و إيهامهم بتطبيق كل ما تأمر به الوزارة ، و في الواقع فإنه لا يتحقق ربع ما ترنوا الوزارة لتحقيقه ، و من هنا يبرز أحد أهم أساليب التعتيم فحينما تقوم لجان الجودة و لجان تحسين أداء المدارس بزيارات ميدانية يتظاهر هؤلاء بتطبيقهم لأساليب التعليم الحديثة مما يوهم اللجان بأنها تطبّق يومياً ، فيتضح إن ما حصل في هذه الأيام ليس وليد الساعة بل إنه متجسد منذ سنين و لكن يبقى السؤال كيف لهؤلاء أن يقفوا لإيصال رسالة التربية و التعليم بعدما خانوا شرف المهنة حارمين الاطفال من حقهم في التعلّم ؟
إن أكبر متضرر من هذه الأحداث هم الطلبة و لكن في مملكة كالبحرين يستحال أن تسلب الحقوق ، فنداءُ الحق المدوّي أسفر عن توافد أكثر من ثلاثة آلاف متطوع و متطوعة يحملون مؤهلات دراسية عالية تصل بعضها لدرجة الدكتوراء معلنين عن إستعداهم التام للتطوّع بتدريس الطلبة دون مقابل ، رغبةً منهم في حل الأزمة التي تسببها بها المدرسين ، مصرحين بأن مبادرتهم في التطوع نابعة من رغبتهم الجامحة في رد القليل من أفضال الوطن عليهم .
و قد قالت المتطوعة نجمة الكوهجي الحاصلة على درجة البكلريوس في المواد الإجتماعية من جامعة الكويت منذ أكثر من عشرين عاماً ، بأنها سمعت منذ الساعات الأولى لليوم الدراسي الأول بأن المدرسين قرروا القيام بإضراب عام لشل حركة التعليم في المملكة ، وأنها حزنت كثيراً و لا شعورياً وجدت نفسها وسط أحد المدارس المجاورة توقعت بأن تكون المتطوعة الأولى و لكنها عندما التفت يميناً وجدت العشرات من المتطوعات توافدن على المدرسة لسد النقص حينها شعرت بأننا لن نتخلى عن البحرين مهما عصفت بها رياح الغدر .
و أضافت مدرسة أولى بمدرسة العروبة الإبتدائية للبنات بأن العديد من أولياء الأمور بادروا بالتطوع باختلاف تخصصاتهم و مناصبهم و مؤهلاتهم الدراسية و أبرز الأمثلة على ذلك أحد المدرسات التي كانت في إجازة مرافق سفير قطعت إجازاتها و أتت لتدافع عن هذه الرسالة الحقّة ، و أخرى معيدة في جامعة البحرين نظمت جدولها بين محاضرات الجامعة و حصص المدرسة مبينةً للعالم أجمع بأنه لا يمكن شل حركة التعليم في البحرين ، و في مدرسة آمنة بنت وهب تطوّعت متطوعة من العائلة الحاكمة تحمل درجة الماجستير فيحق للبحرين الإفتخار بهذه النماذج المشرفة من أبناء شعبها .
و أعربت مديرة مدرسة خولة الثانوية للبنات الأستاذة بدور العجلان عن عظيم شكرها و امتنانها لأعضاء الهيئة الإدارية و التعليمية في المدرسة اللواتي عملن بجهد مضاعف لتحقيق إنتظام الدراسة منذ اليوم الآول ، فقد تم توزيع الكتب و الجداول الدراسية على الطلبة دون تأخير لأن في ذلك تعطيل لمشروع تحسين أداء المدراس الذي تعتبر المدرسة أحد أهم أجزائه ، و قد نوهت بأنه وجد نقص في الطاقم التعليمي و في عدد الطلبة الأمر الذي دفع الإدارة لإتخاذ العديد من الإجراءات بهذا الشأن فقامت بالتواصل مع أولياء الأمور و على الجانب الآخر نسقت مع الوزارة بشأن المدرسات المتطوعات .
أما المتطوعة عايشة خالد أحد طالبات جامعة بوليتكنك و هي خريجة مدرسة خولة قالت لم أستطع أن أرى خولة تخلو من المدرسات خلال هذه الأزمة فهرعت يدفعني الشعور بالإنتماء و المواطنة بالتوجه للمدرسة لرد قليلاً من أفضال هذه البلد الطيب علينا خصوصاً و إن إجازتي تستمر إلى السادس من مارس ، كما ذكرت بأن إضراب ناس معينة لا يعني توقف الحركة التعليمية في البلاد فنحن المواطنون على أتم الإستعداد للتغطية و ووجهت شكرها لكل المتطوعين من الجامعيين و المتخرجين و المتخصصين و المتقاعدين و قالت بأن ما حصل أثبت لنا بأن البحرين متوحدة و لا تعاني من إنقسامات أيّاً كان نوعها .
و أكملت المتطوعة مريم الشحي حاصلة على درجة بكلريوس في الشريعة بالإضافة إلى دبلوم في الطب البديل بأن الأوضاع لا تسرعدواً و لا صديقاً ! و قالت عشنا جميعاً تحت راية هذا الوطن سُنةً و شيعة بعيدين عن كل ما يدعوا إلى الفتنة ، و إن ما يحصل اليوم ما هو إلا سحابة صيف سببتها الأطماع الخارجية ، و لا تمثل أحداً من شعب البحرين، و أبدت عن ضيقها لظلم المدرسات لطالباتهن بالتخلي عن تقديم رسالتهن ، الأمر الذي سيضع حاجزاً بينها و بينهن فيما لو عادت لهن يوماً ، فجيل اليوم متفتح و الأطفال لن ينسوا من تخلى عنهم في هذا المصاب الجلل .
و صرّحت المتطوعة نجمة بأنها توقعت أنها تواجه صعوبات في بادئ الأمر و لكنها أعلنت التحدي في سبيل تحقيق هدفها السامي و وصفت ما حصل بأنه كسرٌ للحواجز ، و استنهاضٌ للهمم ، و دعوة للتماسك و أوضحت بأن التفرقة دخيلة على مجتمعنا ، و تمنت أن ترجع المياه لمجاريها و أن يلقي الشعب بالخلافات جانباً ليعود أقوى من ما كان عليه قبل الأزمة ، و كانت الأستاذة بدور العجلان فخورة بما حققته مدرسة خولة من إنتظام عام بفضل الحنكة الإدارية و جهود المتطوعات في هذه الأزمة ، و شكرت الجميع دون إستثناء ، خصوصاً و إن الطالبات كنّ مقدرين للجهد المبذول من قبل الجميع نحوّهن ، ثم واصلت المتطوعة مريم الشحي قائلة بأنه لا شي من الممكن أن يزعزع وحدتنا الوطنية مستشهدةً بالأغنية الوطنية " دار بو سلمان شمسٍ ما تغيب ".
و في النهاية أشيد بمبادرة وزير التربية و التعليم بدعوة المتطوعين لملأ الشواغر الأمر الذي أثبت للجميع بأن شعلة التعليم في البحرين ستبقى مشتعلة رغماً عن أنوف كل الحاقدين تحميها قلوب أبناء البحرين الأوفياء الذين لن يبيعوا هذا الوطن أياً كانت الأسباب ، وستبتقى راية البحرين خفاقة ما دامت في ظل آل خليفة الكرام ، فشكراً يا دكتور و شكراً يا أبناء البحرين العظماء .